قَوْله تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾.
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ :﴿ شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾ : وَاحِدُهَا شَعِيرَةٌ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا الْمَعَالِمُ.
وَحَقِيقَتُهَا أَنَّهَا فَعِيلَةٌ، مِنْ شَعَرَتْ، بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ.
وَشَعَرْتُ : دَرَيْتُ، وَتَفَطَّنْتُ، وَعَلِمْتُ، وَتَحَقَّقْتُ ؛ كُلَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْأَصْلِ، وَتَتَبَايَنُ الْمُتَعَلِّقَاتُ فِي الْعُرْفِ، هَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً.
فَأَمَّا الْمُرَادُ بِهَا فِي الشَّرْعِ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا عَرَفَةُ، وَالْمُزْدَلِفَةُ، وَالصَّفَا، وَالْمَرْوَةُ، وَمَحَلُّ الشَّعَائِرِ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ.
قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
الثَّانِي : أَنَّهَا مَنَاسِكُ الْحَجِّ وَتَعْظِيمُهُ اسْتِيفَاؤُهَا.
الثَّالِثُ : أَنَّهَا الْبُدْنُ، وَتَعْظِيمُهَا اسْتِسْمَانُهَا.
الرَّابِعُ : أَنَّهُ دِينُ اللَّهِ وَكُتُبُهُ، وَتَعْظِيمُهَا الْتِزَامُهَا.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا جَمِيعُ مَنَاسِكِ الْحَجِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ يُرِيدُ فَإِنَّ حَالَةَ التَّعْظِيمِ إذَا كَسَتْ الْعَبْدَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَأَصْلُهُ تُقَاةُ الْقَلْبِ بِصَلَاحِ السِّرِّ وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ، وَهُوَ الْأَصْلُ لِتَعْظِيمِ الْجَوَارِحِ بِالْأَفْعَالِ.