الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْعَمَلِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَخْذِ الْقَمِيصِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِقْبَالُ مِنْ دَعْوَاهَا، وَالْإِدْبَارُ مِنْ صِدْقِ يُوسُفَ ؛ وَهَذَا أَمْرٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِنَا.
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا.
قُلْنَا : عَنْهُ جَوَابَانِ.
: أَحَدُهُمَا : أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
الثَّانِي : أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْعَادَاتِ لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا الشَّرَائِعُ.
أَمَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ وُجُودُ الْمَصَالِحِ فَيَكُونَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، فَإِذَا وُجِدَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ يَعْقُوبُ بِالْعَلَامَةِ، فَرَوَى الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْإِخْوَةَ لَمَّا ادَّعَوْا أَكْلَ الذِّئْبِ [ لَهُ ] قَالَ : أَرُونِي الْقَمِيصَ.
فَلَمَّا رَآهُ سَلِيمًا قَالَ : لَقَدْ كَانَ هَذَا الذِّئْبُ حَلِيمًا.
وَهَكَذَا فَاطَّرَدَتْ الْعَادَةُ وَالْعَلَامَةُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُنَاقِضٍ لِقَوْلِهِ [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ] ﴿ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ﴾.
وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا هِيَ الْبَيَانُ، وَدَرَجَاتُ الْبَيَانِ تَخْتَلِفُ بِعَلَامَةٍ تَارَةً، وَبِأَمَارَةٍ أُخْرَى ؛ وَبِشَاهِدٍ أَيْضًا، وَبِشَاهِدَيْنِ ثُمَّ بِأَرْبَعٍ.