الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :﴿ سَامِرًا ﴾ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : حَلْقًا حَلْقًا، وَأَصْلُهُ التَّحَلُّقُ بِاللَّيْلِ لِلسَّمَرِ، وَكَنَّى بِقَوْلِهِ : سَامِرًا عَنْ الْجَمَاعَةِ، كَمَا يُقَالُ : بَاقِرٌ وَجَامِلٌ لِجَمَاعَةِ الْبَقَرِ وَالْجِمَالِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَثَلِ : لَا أُكَلِّمُهُ السَّمَرَ وَالْقَمَرَ يَعْنِي فِي قَوْلِهِمْ : اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ : السَّمَرُ ظِلُّ الْقَمَرِ.
وَحَقِيقَتُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَفْظٌ يُسْتَعْمَلُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُمَا : ابْنَا سَمِيرٍ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ جِبِلَّةٌ، وَفِي اللَّيْلِ عَادَةٌ، فَانْتَظَمَا، وَعُبِّرَ عَنْهُمَا بِهِ، وَقَدْ قَرَأَهُ أَبُو رَجَاءٍ سُمَّارًا جَمْعُ سَامِرٍ.
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرِيُّ : إنَّمَا وَحَدّ سَامِرًا، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْوَقْتِ يَعْنِي وَالْوَقْتُ وَاحِدٌ، وَإِذَا خَرَجَ الْكَلَامُ عَنْ الْفَاعِلِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى الْوَقْتِ وُحِّدَ لِيَدُلَّ عَلَى خُرُوجِهِ عَنْ بَابِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ : قُرِئَ بِرَفْعِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَبِنَصَبِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ ؛ فَالْأَوَّلُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْجَرَ إذَا نَطَقَ بِالْفُحْشِ.
وَالثَّانِي مِنْ هَجَرَ إذَا هَذَى، وَمَعْنَاهُ تَتَكَلَّمُونَ بِهَوَسٍ، وَلَا يَضُرُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ؛ إنَّمَا ضَرَرُهُ نَازِلٌ بِكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا حَقِيقَةَ " هَجَرَ " فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
وَلِذَلِكَ فَسَّرَهَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَقَالَ : مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِي، تَهْجُرُونَ نَبِيِّ وَزَادَ قَتَادَةُ أَنَّ سَامِرَ الْحَرَمِ آمِنٌ، لَا يَخَافُ بَيَاتًا، فَعَظَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ السَّمَرَ فِي الْأَمْنِ وَإِفْنَاءَهُ فِي سَبِّ الرَّسُولِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، إنَّمَا كُرِهَ السَّمَرُ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ﴾ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ ذَمَّ قَوْمًا بِأَنَّهُمْ يَسْمُرُونَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ،


الصفحة التالية
Icon