الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :﴿ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ قَدْ بَيَّنَّا الْإِحْصَانَ وَأَقْسَامَهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقُلْنَا : إنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعِفَّةِ ؛ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعِفَّةُ هَاهُنَا.
وَشُرُوطُ الْقَذْفِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ تِسْعَةٌ : شَرْطَانِ فِي الْقَاذِفِ، وَشَرْطَانِ فِي الْمَقْذُوفِ بِهِ، وَخَمْسَةٌ فِي الْمَقْذُوفِ.
فَأَمَّا الشَّرْطَانِ اللَّذَانِ فِي الْقَاذِفِ : فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ.
وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فِي الشَّيْءِ الْمَقْذُوفِ مِنْهُ : فَهُوَ أَنْ يَقْذِفَهُ بِوَطْءٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ الْحَدُّ، وَهُوَ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطُ، أَوْ يَنْفِيهِ مِنْ أَبِيهِ، دُونَ سَائِرِ الْمَعَاصِي.
وَأَمَّا الْخَمْسُ الَّتِي فِي الْمَقْذُوفِ فَهِيَ : الْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعِفَّةُ عَنْ الْفَاحِشَةِ الَّتِي رُمِيَ بِهَا كَانَ عَفِيفًا عَنْ غَيْرِهَا أَوْ لَا.
فَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فِي الْقَاذِفِ ؛ فَلِأَنَّهُمَا أَصْلَا التَّكْلِيفِ ؛ إذْ التَّكْلِيفُ سَاقِطٌ دُونَهُمَا، وَإِنَّمَا شَرَطْنَاهُمَا فِي الْمَقْذُوفِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي مَعَانِي الْإِحْصَانِ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا وُضِعَ لِلزَّجْرِ عَنْ الْإِذَايَةِ بِالْمَعَرَّةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَقْذُوفِ، وَلَا مَعَرَّةَ عَلَى مَنْ عَدِمَ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ ؛ إذْ لَا يُوصَفُ الْوَطْءُ فِيهِمَا وَلَا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ زِنًا.
وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِسْلَامِ فِيهِ ؛ فَلِأَنَّهُ مِنْ مَعَانِي الْإِحْصَانِ وَأَشْرَفِهَا، كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَلِأَنَّ عِرْضَ الْكَافِرَ لَا حُرْمَةَ لَهُ يَهْتِكُهَا الْقَذْفُ، كَالْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ لَا حُرْمَةَ لِعِرْضِهِ ؛ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِزِيَادَةِ الْكُفْرِ عَلَى الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ.
وَأَمَّا شَرَفُ الْعِفَّةِ ؛ فَلِأَنَّ الْمَعَرَّةَ لَاحِقَةٌ بِهِ، وَالْحُرْمَةُ ذَاهِبَةٌ، وَهِيَ مُرَادَةٌ هَاهُنَا إجْمَاعًا.
وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَإِنَّمَا شَرَطْنَاهَا لِأَجْلِ نُقْصَانِ عِرْضِ الْعَبْدِ عَنْ عِرْضِ الْحُرِّ، بِدَلِيلِ نُقْصَانِ حُرْمَةِ دَمِهِ عَنْ دَمِهِ ؛ وَلِذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon