وَذَلِكَ أَنَّ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ غَيْرُ كَسْرِهَا، فَإِنَّ الْكَسْرَ إفْسَادُ الْوَصْفِ وَالْقَرْضَ تَنْقِيصُ الْقَدْرِ، فَهُوَ أَخْذُ مَالٍ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِفَاءِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَيْسَ مِنْ حِرْزٍ، وَالْحِرْزُ أَصْلٌ فِي الْقَطْعِ.
قُلْنَا : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ رَأَى أَنَّ تَهْيِئَتَهَا لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلْقِ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا حِرْزٌ لَهَا، وَحِرْزُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ.
وَقَدْ أَنْفَذَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَطَعَ يَدَ رَجُلٍ فِي قَطْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْمَالِكِيَّةُ : إنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ خَوَاتِيمُ اللَّهِ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ وَلَوْ قُطِعَ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مَنْ كَسَرَ خَاتَمًا لِلَّهِ لَكَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، إذْ مَنْ كَسَرَ خَاتَمَ سُلْطَانٍ عَلَيْهِ اسْمُهُ أُدِّبَ، وَخَاتَمُ اللَّهِ تُقْضَى بِهِ الْحَوَائِجُ، فَلَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْعُقُوبَةِ.
وَأَرَى الْقَطْعَ فِي قَرْضِهَا دُونَ كَسْرِهَا، وَقَدْ كُنْت أَفْعَلُ ذَلِكَ أَيَّامَ تَوْلِيَتِي الْحُكْمَ، إلَّا أَنِّي كُنْت مَحْفُوفًا بِالْجُهَّالِ، لَمْ أُجِبْ بِسَبَبِ الْمَقَالِ لِلْحِسْدَةِ الضُّلَّالِ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ يَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ فَلْيَفْعَلْهُ احْتِسَابًا لِلَّهِ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon