الْآيَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى :﴿ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾.
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : لَمَّا قَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ :﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾.
قَالَ أَصْحَابُ يُوسُفَ :﴿ فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ ؟ فَقَالَ إخْوَةُ يُوسُفَ :﴿ جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ ﴾ قَالَ الطَّبَرِيُّ : الْمَعْنَى جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، التَّقْدِيرُ جَزَاؤُهُ اسْتِعْبَادُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، أَوْ أَخْذُهُ وَاسْتِرْقَاقُهُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ : التَّقْدِيرُ جَزَاءُ السَّارِقِ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ، وَيَكُونُ جَزَاؤُهُ الْأَوَّلُ الِابْتِدَاءَ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ الْخَبَرَ، الْمَعْنَى مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ هُوَ، وَكَرَّرَهُ تَأْكِيدًا لِلْبَيَانِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْكَلَامِ بِالتَّفْسِيرِ : وَذَلِكَ أَنَّ دِينَ الْمَلِكِ كَانَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ السَّارِقِ مِثْلَيْ السَّرِقَةِ، وَكَانَ دِينُ يَعْقُوبَ أَنْ يُسْتَرَقَّ السَّارِقُ، فَأَخَذَ يُوسُفُ إخْوَتَهُ بِمَا فِي دِينِ يَعْقُوبَ بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ وَتَسْلِيمِهِمْ فِيهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَمَّةَ يُوسُفَ بِنْتَ إِسْحَاقَ، وَكَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ يَعْقُوبَ، صَارَتْ إلَيْهَا مِنْطَقَةُ إِسْحَاقَ لِسِنِّهَا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَهَا بِالسِّنِّ، وَكَانَ مَنْ سَرَقَهَا اسْتُمْلِكَ،