الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحِيلَةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى الْمُبَاحِ وَاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ.
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هَذَا وَهْمٌ عَظِيمٌ.
وَقَوْلُهُ :﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ قِيلَ فِيهِ : كَمَا مَكَّنَّا لِيُوسُفَ مِلْكَ نَفْسِهِ عَنْ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ مَكَّنَّا لَهُ مِلْكَ الْأَرْضِ عَنْ الْعَزِيزِ أَوْ مِثْلَهُ مِمَّا لَا يُشْبِهُ مَا ذَكَرَهُ.
قَالَ الشَّفْعَوِيُّ : وَمِثْلُهُ :﴿ وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ﴾.
قَالَ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَيْسَ هَذَا حِيلَةً ؛ إنَّمَا هُوَ حَمْلٌ لِلْيَمِينِ عَلَى الْأَلْفَاظِ أَوْ عَلَى الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ.
قَالَ الشَّفْعَوِيُّ : وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي عَامِلِ خَيْبَرَ [ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : نَصُّ هَذَا الْحَدِيثِ ] ﴿ أَنَّ عَامِلَ خَيْبَرَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ : لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّا نَبِيعُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَفْعَلْ، بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَكَذَلِكَ الْبُسْرُ ﴾ خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ.
وَمَقْصُودُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ جَمْعًا وَيَبْتَاعَ جَنِيبًا مِنْ الَّذِي بَاعَ مِنْهُ الْجَمْعَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ : مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ، لِئَلَّا يَكُونَ جَنِيبًا بِجَمْعٍ وَالدَّرَاهِمُ رِبًا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : جَرِيرَةٌ بِجَرِيرَةٍ وَالدَّرَاهِمُ رِبًا.
قَالَ الشَّفْعَوِيُّ : وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ