الْآيَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إخْوَتِي إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾.
قَالَ الْعُلَمَاءُ : كَانَ هَذَا سُجُودَ تَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، وَهَكَذَا كَانَ سَلَامُهُمْ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ، وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ فِي شَرْعِنَا ذَلِكَ، وَجَعَلَ الْكَلَامَ بَدَلًا عَنْ الِانْحِنَاءِ وَالْقِيَامِ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ كَفَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ اللِّسَانَ، تَقُولُ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّك إنْ اسْتَقَمْت اسْتَقَمْنَا، وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا ﴾.
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَقُولُ فِي الْإِشَارَةِ بِالْإِصْبَعِ ؟ قُلْنَا : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ اللِّسَانَ يَكْفِي فِي السَّلَامِ، وَأَمَّا حَرَكَةُ الْبَدَنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَمْ يُشْرَعْ فِي السَّلَامِ، لَا تَحْرِيكُ يَدٍ [ وَلَا قَدَمٍ ] وَلَا قِيَامُ بَدَنٍ.
الثَّانِي : أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ، وَابْتِدَاؤُهُ سُنَّةٌ فِي مَشْهُورِ الْأَقْوَالِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ الْقِيَامُ لِلرَّجُلِ الْكَبِيرِ بُدَاءَةً إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، كَمَا ﴿ قَالَ النَّبِيُّ لِجُلَسَائِهِ حِينَ جَاءَ سَعْدٌ : قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ ﴾ ؛ فَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ عَوْنُهُ عَلَى ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ :﴿ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ﴾.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِشَارَةُ بِالْإِصْبَعِ إذَا بَعُدَ عَنْك لِتُعَيِّنَ لَهُ أَوْ بِهِ وَقْتَ السَّلَامِ، فَإِنْ كَانَ دَانِيًا فَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ، فَقَدْ ﴿ صَافَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَرًا، حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ ﴾، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ