الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : هَلْ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : هِيَ مُحْكَمَةٌ يَعْنِي فِي الرِّجَالِ خَاصَّةً.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَدْ ذَهَبَ حُكْمُهَا ؛ رَوَى عِكْرِمَةُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالُوا : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، كَيْفَ تَرَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا، فَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ ؛ قَوْلِ اللَّهِ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ وَقَرَءُوهَا إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ عَلَى بَعْضٍ ﴾ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ بِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّ السَّتْرَ.
وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ ؛ فَأَمَرَ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمْ اللَّهُ بِالسُّتُورِ، وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ.
وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا بِمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ أَنَّ شُرُوطَ النَّسْخِ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ، وَمِنْ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ لِنَاظِرٍ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ؟