الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ عَامٌّ فِي كُلِّ زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ كَانَا أَوْ عَبْدَيْنِ، مُؤْمِنَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ، فَاسِقَيْنِ أَوْ عَدْلَيْنِ ؛ لِعُمُومِ الظَّاهِرِ، وَوُجُودِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فِي كُلِّ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَتَحْصِيلِ الْفَائِدَةِ فِيهِ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَصِحُّ اللِّعَانُ إلَّا مِنْ زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَا مُكَلَّفَيْنِ ؛ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَمِينٌ.
وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بِمَا نُكْتَتُهُ أَنَّ ﴿ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ ﴾، فَسَمَّاهَا أَيْمَانًا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الْفَاسِقَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا يَلْتَعِنَانِ ؛ وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ.
فَإِنْ قِيلَ : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ قَوْلُهُ :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ ﴾ فَجَاءَ بِالِاسْمِ الْخَاصِّ بِهَا، وَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّهُ رَدَّدَهَا خَمْسًا، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينًا مَا رُدِّدَتْ، وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْدِيدِهَا قِيَامُهَا فِي الْأَعْدَادِ مَقَامَ عَدَدِ الشُّهُودِ فِي الزِّنَا.
قُلْنَا : أَمَّا ذِكْرُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَقْتَضِي لَهَا حُكْمَهَا لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْعَرَبِ جَارِيَةٌ بِأَنْ يَقُولَ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَأَحْلِفُ بِاَللَّهِ، فِي مَعْرِضِ الْأَيْمَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ.
وَأَمَّا تَكْرَارُهَا فَيَبْطُلُ بِيَمِينِ الْقَسَامَةِ فَإِنَّهَا تَكَرَّرَتْ، وَلَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ إجْمَاعًا.
وَالْحِكْمَةُ فِي تَكْرَارِهَا التَّغْلِيظُ فِي الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ عَلَى فَاعِلِهَا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُفَّ عَنْهَا فَيَقَعُ السَّتْرُ فِي الْفُرُوجِ وَالْحَقْنُ فِي الدَّمِ، وَالْفَيْصَلُ فِي أَنَّهُ يَمِينٌ، لَا شَهَادَةٌ أَنَّ الزَّوْجَ يَحْلِفُ لِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ دَعْوَاهَا، وَتَخْلِيصُهُ عَنْ الْعَذَابِ ؛ وَكَيْف


الصفحة التالية
Icon