الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : إذَا انْتَفَى مِنْ الْحَمْلِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَوَقَعَ ذَلِكَ بِشُرُوطِهِ لَاعَنَ قَبْلَ الْوَضْعِ ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُلَاعِنُ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَضَعَ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِيحًا أَوْ دَاءً مِنْ الْأَدْوَاءِ.
وَدَلِيلُنَا النَّصُّ الصَّرِيحُ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاعَنَ قَبْلَ الْوَضْعِ.
وَقَالَ :﴿ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِأَبِيهِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِفُلَانٍ ﴾ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتهَا ﴾.
فَإِنْ قِيلَ : عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْلَهَا ؛ فَذَلِكَ حُكْمٌ بِاللِّعَانِ، وَالْحَاكِمُ مِنَّا لَا يَعْلَمُ أَحَمْلٌ هُوَ أَمْ رِيحٌ ؟ قُلْنَا : إذَا جَرَتْ أَحْكَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَضَايَا لَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْإِطْلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ ؛ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ لَمْ تُبْنَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ؛ وَإِنَّمَا الْبِنَاءُ فِيهَا عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَشْتَرِكُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ الْقُضَاةُ كُلُّهُمْ.
وَقَدْ أَعْرَبَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :﴿ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ ﴾.
فَأَحَالَ عَلَى الظَّوَاهِرِ ؛ وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ.


الصفحة التالية
Icon