الْآيَةُ الثَّامِنَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ :﴿ لَمْ يُسْرِفُوا ﴾ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : لَمْ يُنْفِقُوا فِي مَعْصِيَةٍ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي : لَمْ يُنْفِقُوا كَثِيرًا قَالَهُ إبْرَاهِيمُ.
الثَّالِثُ : لَمْ يَتَمَتَّعُوا لِلنَّعِيمِ، إذَا أَكَلُوا لِلْقُوَّةِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَبِسُوا لِلسُّتْرَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ صِحَاحٌ، فَالنَّفَقَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ، فَالْأَكْلُ وَاللُّبْسُ لِلَّذَّةِ جَائِزٌ، وَلِلتَّقْوَى وَالسَّتْرِ أَفْضَلُ، فَمَدَحَ اللَّهُ مَنْ أَتَى الْأَفْضَلَ، وَإِنْ كَانَ مَا تَحْتَهُ مُبَاحًا.
وَإِذَا أَكْثَرَ رُبَّمَا افْتَقَرَ، فَالتَّمَسُّكُ بِبَعْضِ الْمَالِ أَوْلَى، كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ وَلِكَعْبٍ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَمْ يَقْتُرُوا ﴾ فِيهِ قَوْلَانِ : الْأَوَّلُ : لَمْ يَمْنَعُوا وَاجِبًا.
الثَّانِي : لَمْ يَمْنَعُوا عَنْ طَاعَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ قَوَامًا ﴾ يَعْنِي عَدْلًا ؛ وَهُوَ أَنْ يُنْفِقَ الْوَاجِبَ، وَيَتَّسِعَ فِي الْحَلَالِ فِي غَيْرِ دَوَامٍ عَلَى اسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ.