الْعَاجِلِ فَلَمَّا مَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لَهُ : اتَّقِ اللَّهَ يَا جَرِيرُ، وَلَا تَقُلْ إلَّا حَقًّا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ : كَمْ بِالْيَمَامَةِ مِنْ شَعْثَاءَ أَرْمَلَةٍ وَمِنْ يَتِيمٍ ضَعِيفِ الصَّوْتِ وَالنَّظَرِ مِمَّنْ يَعُدُّك تَكْفِي فَقْدَ وَالِدِهِ كَالْفَرْخِ فِي الْعُشِّ لَمْ يَدْرُجْ وَلَمْ يَطِرْ إنَّا لَنَرْجُو إذَا مَا الْغَيْثُ أَخْلَفَنَا مِنْ الْخَلِيفَةِ مَا نَرْجُو مِنْ الْمَطَرِ أَتَى الْخِلَافَةَ إذْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ النَّطْرُونِيُّ الْأَرَامِلُ قَدْ قَضَّيْت حَاجَتَهَا فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الْأَرْمَلِ الذَّكَرِ فَقَالَ : يَا جَرِيرُ لَقَدْ وُلِّيت هَذَا الْأَمْرَ، وَمَا أَمْلِكُ إلَّا ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَمِائَةٌ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ، وَمِائَةٌ أَخَذَتْهَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ، يَا غُلَامُ، أَعْطِهِ الْمِائَةَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ : وَاَللَّهِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّهَا لَأَحَبُّ مَالٍ كَسَبْتُهُ إلَيَّ.
ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لَهُ الشُّعَرَاءُ : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ : مَا يَسُوءُكُمْ، خَرَجْت مِنْ عِنْدِ أَمِيرٍ يُعْطِي الْفُقَرَاءَ، وَيَمْنَعُ الشُّعَرَاءَ، وَإِنِّي عَنْهُ لَرَاضٍ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : رَأَيْت رُقَى الشَّيْطَانِ لَا تَسْتَفِزُّهُ وَقَدْ كَانَ شَيْطَانِي مِنْ الْجِنِّ رَاقِيَا وَلَمَّا وَلِيَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَفَدَ إلَيْهِ نَابِغَةُ بَنِي جَعْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، ثُمَّ أَنْشَدَهُ : حَكَيْت لَنَا الْفَارُوقَ لَمَّا وَلِيتَنَا وَعُثْمَانَ وَالصِّدِّيقَ فَارْتَاحَ مُعْدِمُ وَسَوَّيْت بَيْنَ النَّاسِ فِي الْحَقِّ فَاسْتَوَوْا فَعَادَ صَبَاحًا حَالِكُ اللَّوْنِ مُظْلِمُ أَتَاك أَبُو لَيْلَى يَجُوبُ بِهِ الدُّجَى دُجَى اللَّيْلِ جَوَّابُ الْفَلَاةِ عَثَمْثَمُ لِتَجْبُرَ مِنَّا جَانِبًا دَعْدَعَتْ بِهِ صُرُوفُ اللَّيَالِيِ وَالزَّمَانُ الْمُصَمِّمُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ : هَوِّنْ عَلَيْك أَبَا لَيْلَى، فَالشِّعْرُ أَدْنَى وَسَائِلُكَ عِنْدَنَا، أَمَّا صَفْوَةُ مَالِنَا فَلِآلِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا عَفْوَتُهُ فَإِنَّ بَنِي أَسَدٍ وَتَمِيمًا شَغَلَاهَا عَنْك، وَلَكِنْ لَك فِي مَالِ اللَّهِ سَهْمَانِ