الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ إحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ﴾ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَرْضٌ لَا عَقْدٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَقْدًا لَعَيَّنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا لَهُ ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ إذَا قَالَ لَهُ : بِعْتُك أَحَدَ عَبْدِي هَذَيْنِ بِثَمَنِ كَذَا فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْخِيَارِ يَلْصَقُ بِالنِّكَاحِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ : أَيَّتَهُمَا تُرِيدُ ؟ قَالَ : الصُّغْرَى.
ثُمَّ قَالَ مُوسَى : لَا، حَتَّى تُبْرِئَهَا مِمَّا فِي نَفْسِك، يُرِيدُ حِينَ قَالَتْ :﴿ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْت الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾، فَامْتَلَأَتْ نَفْسُ صَالِحَ مَدْيَنَ غَيْرَةً، وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُرَاجَعَةٌ فِي الْقَوْلِ وَمُؤَانَسَةٌ، فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ عَلِمْتِ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَمَّا قُوَّتُهُ فَرَفْعُهُ الْحَجَرَ مِنْ فَمِ الْبِئْرِ وَحْدَهُ، وَكَانَ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا عَشْرَةُ رِجَالٍ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ فَحِينَ مَشَيْت قَالَ لِي : كُونِي وَرَائِي، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَحِينَئِذٍ سَكَنَتْ نَفْسُهُ، وَتَمَكَّنَ أُنْسُهُ.


الصفحة التالية
Icon