الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْلُهُ :﴿ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾.
فَذَكَرَ لَهُ لَفْظَ الْإِجَارَةِ وَمَعْنَاهَا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي جَعْلِ الْمَنَافِعِ صَدَاقًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَجَازَهُ غَيْرُهُمَا.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ.
وَقَالَ أَصْبَغُ : إنْ نُقِدَ مَعَهُ شَيْءٌ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَدْ فَهُوَ أَشَدُّ، فَإِنْ تَرَكَ مَضَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، بِدَلِيلِ قِصَّةِ شُعَيْبٍ ؛ قَالَهُ مَالِكٌ وَابْن الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ، وَعَوَّلَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ.
قَالَ الْقَاضِي : صَالِحُ مَدْيَنَ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ صَالِحِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَتَهُ فِي غَنَمِهِ ؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقُ فُلَانَةَ خِدْمَةَ فُلَانٍ، وَلَكِنَّ الْخِدْمَةَ لَهَا عِوَضٌ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّةِ صَالِحِ مَدْيَنَ لِصَالِحِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَجَعَلَهُ صَدَاقًا لِابْنَتِهِ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : فَإِنْ وَقَعَ النِّكَاحُ بِجُعْلٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى : لَا يَجُوزُ، وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَلَا أُجْرَةَ مِثْلِهِ، وَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَالْإِسْلَامُ بِخِلَافِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ جُعْلٌ، إنَّمَا فِيهِ إجَارَةٌ، وَلَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ خِلَافُهُ ؛ بَلْ فِيهِ جَوَازُهُ فِي قِصَّةِ الْمَوْهُوبَةِ، وَهُوَ يُجَوِّزُ النِّكَاحَ بِعَدَدٍ مُطْلَقٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ ؛ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ عَلَى تَعْلِيمِ عِشْرِينَ سُورَةٍ.
وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّحْصِيلِ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي حَدِيثِ الْمَوْهُوبَةِ :﴿ عَلِّمْهَا عِشْرِينَ سُورَةً، وَهِيَ امْرَأَتُك ﴾.