الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ قَلْبَيْنِ ﴾ الْقَلْبُ : بِضْعَةٌ صَغِيرَةُ الْجُرْمِ عَلَى هَيْئَةِ الصَّنَوْبَرَةِ، خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآدَمِيِّ وَجَعَلَهَا مَحَلًّا لِلْعِلْمِ، وَالرُّوحِ أَيْضًا، فِي قَوْلٍ، يُحْصِي بِهِ الْعَبْدُ مِنْ الْعُلُومِ مَا لَا يَسَعُ فِي أَسْفَارٍ، يَكْتُبُهُ اللَّهُ لَهُ فِيهِ بِالْخَطِّ الْإِلَهِيِّ، وَيَضْبُطُهُ فِيهِ بِالْحِفْظِ الرَّبَّانِيِّ حَتَّى يُحْصِيَهُ وَلَا يَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا.
وَهُوَ بَيْنَ لَمَّتَيْنِ : لَمَّةٌ مِنْ الْمَلَكِ، وَلَمَّةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَهُوَ مَحَلُّ الْخَطِرَاتِ وَالْوَسَاوِسِ، وَمَكَانُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، وَمَوْضِعُ الْإِصْرَارِ وَالْإِنَابَةِ، وَمَجْرَى الِانْزِعَاجِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي الْقَلْبِ الْكُفْرُ وَالْإِيمَانُ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالُ، وَالْإِنَابَةُ وَالْإِصْرَارُ، وَهَذَا نَفْيٌ لِكُلِّ مَا تَوَهَّمَهُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ مِنْ حَقِيقَةٍ أَوْ مَجَازٍ.