فَأُصِيبَ فِي أَكْحَلِهِ، ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَ حَرْبُ قُرَيْظَةَ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَاقْبِضْنِي إلَيْك، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيَّةٌ فَأَبْقِنِي حَتَّى أُجَاهِدَ مَعَ رَسُولِك أَعْدَاءَهُ.
فَلَمَّا حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ تُوُفِّيَ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ، وَقَالُوا : نَرْجُو أَنْ تَكُونَ قَدْ اُسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَقَالَ مَالِكٌ : وَقَالَ سَعْدٌ : اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي كُنْت أُحِبُّ أَنْ يَقْتُلَنِي قَوْمٌ بَعَثْت فِيهِمْ نَبِيَّك فَكَذَّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ، فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ الْحَرْبَ قَدْ بَقِيَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَأَبْقِنِي، وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَاقْبِضْنِي إلَيْك.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدٌ تَبَاشَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : لَقَدْ نَزَلَ بِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَا نَزَلُوا الْأَرْضَ قَبْلَهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ : قَوْلُهُ :﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ يَعْنِي فِي رُجُوعِهِ مِنْ الْخَنْدَقِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ :﴿ كَانَتْ وَقْعَةُ الْخَنْدَقِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ، وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلَى حِينِ غَابَتْ الشَّمْسُ ﴾.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ : لَمَّا انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَلَا أَدْرِي اغْتَسَلَ أَمْ لَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ؛ أَتَضَعُونَ اللَّأْمَةَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا إلَى قُرَيْظَةَ ؛ لَا تَضَعُوا السِّلَاحَ حَتَّى تَخْرُجُوا إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
فَصَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَلَّا يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةَ الْعَصْرِ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ﴾.
فَصَلَّى بَعْضُ النَّاسِ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُصَلِّ بَعْضٌ، حَتَّى لَحِقُوا بَنِي قُرَيْظَةَ ؛ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ التِّسْعَ عَشْرَةَ