إيقَاعٌ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْيِيرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فِرَاقِهِ، وَهُمَا ضِدَّانِ، لَيْسَ اخْتِيَارُ أَحَدِهِمَا اخْتِيَارًا لِلثَّانِي بِحَالٍ.
وَأَمَّا الطَّرَفُ الثَّانِي : وَهُوَ إذَا اخْتَارَتْ الْفِرَاقَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهَا ثَلَاثٌ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا بَيْنُونَةٍ.
فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهُ مَا نَوَى.
هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ.
الثَّانِي : رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا مَبْتُوتَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
الثَّالِثُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا نَوَيَاهُ جَمِيعًا، وَلَا يَقَعُ مِنْهُ إلَّا مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ جَمِيعًا، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَقَعَ الْأَقَلُّ، وَبَطَلَ الْأَكْثَرُ.
وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِقَوْلِهِ :" اخْتَارِي " أَلَّا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَلَا يَمْلِكَ مِنْهَا شَيْئًا ؛ إذْ قَدْ جَعَلَ إلَيْهَا أَنْ تُخْرِجَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْهَا عَنْهُ أَوْ تُقِيمَ مَعَهُ، فَإِذَا أَخْرَجَتْ الْبَعْضَ لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِخَبَرٍ مِنْ جِهَتِهَا، وَذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّتِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ كَخِيَارِ الْمُعْتَقَةِ.
الْجَوَابُ : إنَّا نَقُولُ : أَمَّا اعْتِبَارُ نِيَّتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا مُوقِعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهَا ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَنِيَابَةٌ، وَأَمَّا خِيَارُ الْمُعْتِقَةِ فَلَا نُسَلِّمُهُ، بَلْ هُوَ ثَلَاثٌ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ لَفْظُ الثَّلَاثِ وَلَا نِيَّتُهَا.
الْجَوَابُ : إمَّا نَقُولُ : قَدْ اقْتَرَنَ بِهِ لَفْظُهَا كَمَا


الصفحة التالية
Icon