الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى التَّبَرُّجِ.
وَقَوْلُهُ :﴿ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ : أَفَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ ؟ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً غَيْرَ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ هَلْ سَمِعْت بِأُولَى إلَّا لَهَا آخِرَةٌ، قَالَ : فَأْتِنَا بِمَا يُصَدِّقُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ جَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
فَقَالَ عُمَرُ : فَمَنْ أَمَرَ بِأَنْ نُجَاهِدَ ؟ قَالَ : مَخْزُومٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهَا تَكُونُ جَاهِلِيَّةً أُخْرَى.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ الْأُولَى مَا بَيْنَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الْقَاضِي : الَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا جَاهِلِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ؛ وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِالْأُولَى ؛ لِأَنَّهَا صِفَتُهَا الَّتِي لَيْسَ لَهَا نَعْتُ غَيْرِهَا، وَهَذَا كَقَوْلِهِ :﴿ قَالَ رَبِّ اُحْكُمْ بِالْحَقِّ ﴾ وَهَذِهِ حَقِيقَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَحْكُمُ إلَّا بِالْحَقِّ.