إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك اللَّاتِي آتَيْت أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُك مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْك وَبَنَاتِ عَمِّك وَبَنَاتِ عَمَّاتِك وَبَنَاتِ خَالِك وَبَنَاتِ خَالَاتِك اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَك وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ }.
حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ فِي ذَلِكَ وَالِانْتِهَاءِ إلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَهَذَا الْقَوْلُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ مُجَرَّدَةٍ، فَأَمَّا وُجُوبُ الْقَسْمِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَقْتَضِيهِ، وَيَلْزَمُ الزَّوْجَ ؛ فَخُصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بِأَنْ جُعِلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْفَ يُقَالُ : إنَّ الْقَسْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَعْدِلُ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فِي الْقَسْمِ، وَيَقُولُ :﴿ هَذِهِ قُدْرَتِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ يَعْنِي قَلْبَهُ ﴾ " لِإِيثَارِ عَائِشَةَ دُونَ أَنْ يَكُونَ يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ فِعْلِهِ.
قُلْنَا : ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَاهُ سُقُوطَهُ ؛ وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَزِمُهُ تَطَيُّبًا لِنُفُوسِهِنَّ، وَصَوْنًا لَهُنَّ عَنْ أَقْوَالِ الْغَيْرَةِ الَّتِي رُبَّمَا تَرَقَّتْ إلَى مَا لَا يَنْبَغِي.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَمَنْ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت ﴾ يَعْنِي طَلَبْت، وَالِابْتِغَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الطَّلَبُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِرَادَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى :﴿ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ :﴿ مِمَّنْ عَزَلْت ﴾ يَعْنِي أَزَلْت، وَالْعُزْلَةُ الْإِزَالَةُ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي اللَّفْظَيْنِ مَفْهُومٌ.
وَالْمَعْنَى : وَمَنْ أَرَدْت أَنْ تَضُمَّهُ وَتُؤْوِيَهُ بَعْدَ أَنْ أَزَلْته فَقَدْ نِلْت ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَوَجَدْته تَحْقِيقًا لِقَوْلِ عَائِشَةَ :