الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِئْذَانِ : وَهُوَ بِالسَّلَامِ، وَصِفَتُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كُنْت فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ إذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ قَالَ : اسْتَأْذَنْت عَلَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَرَجَعْت.
قَالَ : مَا مَنَعَك ؟ قُلْت : اسْتَأْذَنْت ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْت وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ ﴾.
فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بَيِّنَةً.
أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ : وَاَللَّهِ لَا يَقُومُ مَعَك إلَّا أَصْغَرُنَا.
فَكُنْت أَصْغَرَهُمْ.
فَقُمْت مَعَهُ، فَأَخْبَرْت عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ.
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ.
وَحِكْمَةُ التَّعْدَادِ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَنَّ الْأُولَى اسْتِعْلَامٌ، وَالثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ، وَالثَّالِثَةُ إعْذَارٌ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الِاسْتِئْنَاسَ هُوَ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ :﴿ وَتُسَلِّمُوا ﴾ تَفْسِيرًا لِلِاسْتِئْذَانِ.
وَقَدْ اخْتَرْنَا قَوْلَ ابْنِ قُتَيْبَةَ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.