الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ : وَهِيَ مُشْكِلَةٌ جِدًّا، لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَفْضَلُ مِنْ إبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُ، ثُمَّ يَطْلُبُ لَهُ أَنْ يَبْلُغَ رُتْبَتَهُ ؟ وَفِي ذَلِكَ تَأْوِيلَاتٌ كَثِيرَةٌ أُمَّهَاتُهَا عَشْرَةٌ : الْأَوَّلُ : أَنَّ ذَلِكَ قِيلَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ بِمَرْتَبَتِهِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ فِيهِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَأَزْوَاجِهِ، لِتَتِمَّ عَلَيْهِمْ النِّعْمَةُ، كَمَا تَمَّتْ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ كُلُّ مَنْ اتَّبَعَهُ.
الرَّابِعُ : أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ مُضَاعَفًا لَهُ، حَتَّى يَكُونَ لِإِبْرَاهِيمَ بِالْأَصْلِ، وَلَهُ بِالْمُضَاعَفَةِ.
الْخَامِسُ : أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ لِتَدُومَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
السَّادِسُ : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ ذَلِكَ لَهُ بِدُعَاءِ أُمَّتِهِ، تَكْرِمَةً لَهُمْ وَنِعْمَةً عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُكَرَّمَ رَسُولُهُمْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ.
السَّابِعُ : أَنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ لَهُمْ لِيُثَابُوا عَلَيْهِ.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ﴾.
الثَّامِنُ : أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبْقَى لَهُ ذَلِكَ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخَرِينَ.
التَّاسِعُ : أَنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ رَحْمَةً فِي الْعَالَمِينَ يَبْقَى بِهَا دِينُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الْعَاشِرُ : أَنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً تَتَّخِذُهُ بِهَا خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذْت إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا.
قَالَ الْقَاضِي : وَعِنْدِي أَيْضًا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِصَلَاتِهِ وَصَلَاةِ أُمَّتِهِ كَمَا غُفِرَ لَهُمْ بِشَرْطِ اسْتِغْفَارِهِ، فَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ، ثُمَّ كَانَ يُدِيمُ الِاسْتِغْفَارَ، لِيَأْتِيَ بِالشَّرْطِ الَّذِي غُفِرَ لَهُ.
وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَتَحْقِيقٌ فِيهَا لِمَا يَقْوَى مِنْ الِاحْتِمَالِ.


الصفحة التالية
Icon