الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ :﴿ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ﴾ تَحْقِيقٌ فِي نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُصَحَاءِ الْمُلْحِدَةِ عَلَيْنَا فِي نَظْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِأَشْيَاءَ أَرَادُوا بِهَا التَّلْبِيسَ عَلَى الضَّعَفَةِ، مِنْهَا قَوْلُهُ ﴿ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْت أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ وَقَالُوا : إنَّ هَذَا مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارَبِ، عَلَى مِيزَانِ قَوْلِهِ : فَأَمَّا تَمِيمٌ تَمِيمُ بْنُ مُرٍّ فَأَلْفَاهُمْ الْقَوْمُ رُءُوسًا نِيَامًا وَهَذَا إنَّمَا اعْتَرَضَ بِهِ الْجَاهِلُونَ بِالصِّنَاعَةِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُلَائِمُ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْآيَةِ قَوْلُهُ :( فَلَمَّا ) إلَى قَوْلِهِ ( كُلِّ ) وَإِذَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ.
وَإِذَا أَتْمَمْنَاهُ بِقَوْلِهِ :﴿ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ خَرَجَ عَنْ وَزْنِ الشِّعْرِ، وَزَادَ فِيهِ مَا يَصِيرُ بِهِ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ كُلَّهَا عَلَى وَزْنِ فَعُولُنْ، وَلَيْسَ فِي بُحُورِ الشِّعْرِ مَا يَخْرُجُ الْبَيْتُ مِنْهُ مِنْ عَشْرَةِ أَجْزَاءٍ، وَإِنَّمَا أَكْثَرُهُ ثَمَانِيَةٌ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ :﴿ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾ ادَّعَوْا أَنَّهُ مِنْ بَحْرِ الْوَافِرِ، وَقَطَّعُوهُ : مَفَاعِيلٌ مَفَاعِيلٌ فَعُولُنْ مَفَاعِيلٌ مَفَاعِيلٌ فَعُولُنْ ؛ وَهُوَ عَلَى وَزْنِ قَوْلِ الْأَوَّلِ : لَنَا غَنَمٌ نَسُوقُهَا غِزَارٌ كَأَنَّ قُرُونَ جَلَّتِهَا الْعِصِيُّ وَعَلَى وَزْنِ قَوْلِ الْآخَرِ : طَوَالُ قَنَا يُطَاعِنُهَا قِصَارُ وَقَطْرُك فِي نَدًى وَوَغًى بِحَارُ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ زِدْت فِيهَا أَلِفًا بِتَمْكِينِ حَرَكَةِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ مُؤْمِنِينَ فَتَقُولُ مُؤْمِنِينَا.
الثَّانِي : أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الرَّوِيِّ بِإِشْبَاعِ حَرَكَةِ الْمِيمِ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَيُخْزِهِمْ ﴾ وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَإِذَا قُرِئَ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ :﴿ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ ﴾ ؛