وَمَهَّدْنَاهُ وَبَسَّطْنَاهُ.
فَقَالَ إبْرَاهِيمُ لِابْنِهِ : رَأَيْت أَنِّي أَذْبَحُك فِي الْمَنَامِ، فَأَخَذَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ الرُّؤْيَا بِظَاهِرِهَا وَاسْمِهَا، وَقَالَ لَهُ :﴿ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ ؛ إذْ هُوَ أَمْرٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُمَا عَلِمَا أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيُ اللَّهِ، وَاسْتَسْلَمَا لِقَضَاءِ اللَّهِ ؛ هَذَا فِي قُرَّةِ عَيْنِهِ، وَهَذَا فِي نَفْسِهِ أُعْطِيَ ذِبْحًا فِدَاءً وَقِيلَ لَهُ : هَذَا فِدَاؤُك، فَامْتَثِلْ فِيهِ مَا رَأَيْت فَإِنَّهُ حَقِيقَةُ مَا خَاطَبْنَاك فِيهِ، وَهُوَ كِنَايَةٌ لَا اسْمٌ، وَجَعَلَهُ مُصَدِّقًا لِلرُّؤْيَا بِمُبَادَرَتِهِ الِامْتِثَالَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ وَالتَّهَيُّؤِ لِلْعَمَلِ.
فَلَمَّا اعْتَقَدَا الْوُجُوبَ، وَتَهَيَّآ لِلْعَمَلِ، هَذَا بِصُورَةِ الذَّابِحِ، وَهَذَا بِصُورَةِ الْمَذْبُوحِ، أُعْطِيَ مَحَلًّا لِلذَّبْحِ فِدَاءً عَنْ ذَلِكَ الْمَرْئِيِّ فِي الْمَنَامِ، يَقَعُ مَوْضِعَهُ بِرَسْمِ الْكِنَايَةِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ الْمَوْعُودِ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ قَالَ لَهُ الْوَلَدُ :﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ فَأَيْنَ الْأَمْرُ ؟ قُلْنَا : هُمَا كَلِمَتَانِ إحْدَاهُمَا مِنْ الْوَالِدِ إبْرَاهِيمَ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْوَلَدِ إسْمَاعِيلَ.
فَأَمَّا كَلِمَةُ إبْرَاهِيمَ فَهِيَ قَوْلُهُ أَذْبَحُك، وَهُوَ خَبَرٌ لَا أَمْرٌ، وَأَمَّا كَلِمَةُ إسْمَاعِيلَ :﴿ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ وَهُوَ أَمْرٌ، وَقَوْلُ إبْرَاهِيمَ :﴿ إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُك ﴾ وَإِنْ كَانَتْ [ صِيغَتُهُ ] صِيغَةَ الْخَبَرِ فَإِنَّ مَعْنَاهَا الْأَمْرُ ضَرُورَةً ؛ لِأَنَّ لَوْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ خَبَرٍ وَاقِعٍ لَمَا كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ يُنْتَظَرُ، وَإِنَّمَا هُوَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ ضَرُورَةً.
فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لِأَبِيهِ إبْرَاهِيمَ :﴿ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ ؛ فَعَبَّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالِانْقِيَادِ إلَى مَعْنَى خَبَرِ أَبِيهِ، وَهُوَ الْأَمْرُ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ قَدْ صَدَّقْت الرُّؤْيَا ﴾ حِينَ تَيَسَّرَا لِلْعَمَلِ، وَأَقْبَلَا عَلَى الْفِعْلِ ؛ فَكَانَ صَدَقَهَا