الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ نِينَوَى مِنْ قُرَى الْمَوْصِلِ عَلَى دِجْلَةَ وَمَنْ دَانَاهُمْ، فَكَذَّبُوهُ عَلَى عَادَةِ الْأُمَمِ مَعَ الرُّسُلِ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى يُونُسَ، فَقَالَ لَهُ : إنَّ الْعَذَابَ يَأْتِي قَوْمَك يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمَئِذٍ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ : إنَّهُمْ قَدْ حَضَرَهُمْ الْعَذَابُ.
قَالَ لَهُ يُونُسُ : أَلْتَمِسُ دَابَّةً.
قَالَ : الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ : فَأَلْتَمِسُ حِذَاءً.
قَالَ : الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ : فَغَضِبَ يُونُسُ وَخَرَجَ، وَكَانَتْ الْعَلَامَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ فِي نُزُولِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ خُرُوجَهُ عَنْهُمْ.
فَلَمَّا فَقَدُوهُ خَرَجُوا بِالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالشَّاةِ وَالسَّخْلَةِ، وَالنَّاقَةِ وَالْهُبَعِ وَالْفَحْلِ، وَكُلِّ شَيْءٍ عِنْدَهُمْ، وَعَزَلُوا الْوَالِدَةَ عَنْ وَلَدِهَا وَالْمَرْأَةَ عَنْ خَلِيلِهَا، وَتَابُوا إلَى اللَّهِ، وَصَاحُوا حَتَّى سُمِعَ لَهُمْ عَجِيجٌ، فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ حَتَّى نَظَرُوا إلَيْهِ، ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَغَضِبَ يُونُسُ، وَرَكِبَ الْبَحْرَ فِي سَفِينَةٍ، حَتَّى إذَا كَانُوا حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ رَكَدَتْ السَّفِينَةُ، وَقِيلَ : هَاجَ الْبَحْرُ بِأَمْوَاجِهِ، وَقِيلَ : عَرَضَ لَهُمْ حُوتٌ حَبَسَ جَرْيَتَهَا، فَقَالُوا : إنَّ فِينَا مَشْئُومًا أَوْ مُذْنِبًا، فَلْنَقْتَرِعْ عَلَيْهِ ؛ فَاقْتَرَعُوا فَطَارَ السَّهْمُ عَلَى يُونُسَ، فَقَالُوا : عَلَى مِثْلِ هَذَا يَقَعُ السَّهْمُ، قَدْ أَخْطَأْنَا فَأَعِيدُوهَا، فَأَعَادُوا الْقُرْعَةَ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِ، فَقَالُوا مِثْلُهُ، وَأَعَادُوهَا، فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يُونُسُ رَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْبَحْرِ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ : إنَّا لَمْ نَجْعَلْ يُونُسَ لَك رِزْقًا، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا بَطْنَك لَهُ سِجْنًا، فَنَادَى ﴿ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ ﴾ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَأَمَرَ الْحُوتَ فَرَمَاهُ عَلَى السَّاحِلِ قَدْ ذَهَبَ شَعْرُهُ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ