الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ :﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ ﴾ نَصٌّ عَلَى الْقُرْعَةِ.
وَكَانَتْ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا جَائِزَةً فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْعُمُومِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَوَارِدُ أَخْبَارِهَا فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات، وَجَاءَتْ الْقُرْعَةُ فِي شَرْعِنَا عَلَى الْخُصُوصِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ؛ فَإِنَّ الْقَوْمَ اقْتَرَعُوا عَلَى مَرْيَمَ أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا، وَجَرَتْ سِهَامُهُمْ عَلَيْهَا وَالْقَوْلُ فِي جَرْيَةِ الْمَاءِ بِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَرْعِنَا، وَإِنَّمَا تَجْرِي الْكَفَالَةُ عَلَى مَرَاتِبِ الْقَرَابَةِ، وَقَدْ وَرَدَتْ الْقُرْعَةُ فِي الشَّرْعِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ : الْأَوَّلُ ﴿ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ ﴾.
الثَّانِي :﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ إلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً ﴾.
الثَّالِثُ :﴿ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتْ، فَقَالَ : اذْهَبَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ وَاسْتَهِمَا، وَلْيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ ﴾ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَوَاطِنَ، وَهِيَ الْقَسَمُ فِي النِّكَاحِ، وَالْعِتْقُ، وَالْقِسْمَةُ، وَجَرَيَانُ الْقُرْعَةِ فِيهَا لِرَفْعِ الْإِشْكَالِ وَحَسْمِ دَاءِ التَّشَهِّي.
وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْقُرْعَةِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ الْغَزْوِ عَلَى قَوْلَيْنِ ؛ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا الِاقْتِرَاعُ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّفَرَ بِجَمِيعِهِنَّ لَا يُمْكِنُ، وَاخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إيثَارٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقُرْعَةُ.
وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ فَإِنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ ثُلُثٌ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ فِيهِ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَتَعْيِينُهُمَا بِالتَّشَهِّي لَا يَجُوزُ شَرْعًا، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا