الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الِاقْتِرَاعُ عَلَى إلْقَاءِ الْآدَمِيِّ فِي الْبَحْرِ لَا يَجُوزُ، فَكَيْفَ الْمُسْلِمُ ؟ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي يُونُسَ وَفِي زَمَانِهِ مُقَدِّمَةً لِتَحْقِيقِ بُرْهَانِهِ وَزِيَادَةٍ فِي إيمَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ عَاصِيًا أَنْ يُقْتَلَ وَلَا يُرْمَى بِهِ فِي النَّارِ وَالْبَحْرِ ؛ وَإِنَّمَا تَجْرِي عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى مِقْدَارِ جِنَايَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا رُمِيَ فِي الْبَحْرِ، لِأَنَّ السَّفِينَةَ وَقَفَتْ وَأَشْرَفَتْ عَلَى الْهَلَاكِ، فَقَالُوا : هَذَا مِنْ حَادِثٍ فِينَا فَانْظُرُوا مَنْ بَيْنَكُمْ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ، فَسَلَّطُوا عَلَيْهِ مِسْبَارَ الْإِشْكَالِ وَهِيَ الْقُرْعَةُ، فَلَمَّا خَرَجُوا بِالْقُرْعَةِ إلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَمْيِهِمْ لَهُ، فَرَمَى هُوَ بِنَفْسِهِ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّهِ وَرَجَا حُسْنَ الْعَاقِبَةِ، وَلِهَذَا ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْبَحْرَ إذَا هَالَ عَلَى الْقَوْمِ فَاضْطُرُّوا إلَى تَخْفِيفِ السَّفِينَةِ أَنَّ الْقُرْعَةَ تُضْرَبُ عَلَيْهِمْ، فَيُطْرَحُ بَعْضُهُمْ تَخْفِيفًا.
وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّهَا لَا تَخِفُّ بِرَمْيِ بَعْضِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا يَصْبِرُونَ عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُسْتَوْفًى عِنْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الْفَرْعِيَّةِ.


الصفحة التالية
Icon