الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ :﴿ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾.
وَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : يُغْنِيهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ بِالنِّكَاحِ، كَقَوْلِهِ :﴿ وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ﴾ يَعْنِي النِّكَاحَ مِنْ غَيْرِهِ.
الثَّانِي : يُغْنِيهِمْ بِالْمَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : عَجِبْت لِمَنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْبَاءَةِ، وَاَللَّهُ يَقُولُ :﴿ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾.
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُ : الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالنَّاكِحُ يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُكَاتَبُ يُرِيدُ الْأَدَاءَ ﴾.
فَإِنْ قُلْنَا : قَدْ نَجِدُ النَّاكِحَ لَا يَسْتَغْنِي.
قُلْنَا : عَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ يُغْنِيهِ بِإِيتَاءِ الْمَالِ، وَقَدْ يُوجَدُ ذَلِكَ.
الثَّانِي : يُغْنِيهِ عَنْ الْبَاءَةِ بِالْعِفَّةِ.
الثَّالِثُ : يُغْنِيهِ بِغِنَى النَّفْسِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ عَلَى الدَّوَامِ ؛ بَلْ لَوْ كَانَ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ لَصَدَقَ الْوَعْدُ.
وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ : إنَّ هَذَا عَلَى الْخُصُوصِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ.
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ :" النَّاكِحُ مُعَانٌ، وَالْمُكَاتَبُ مُعَانٌ، وَبَاغِي الرَّجْعَةِ مُعَانٌ ".
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ وَرَدَتْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا قَدْ تَنَاوَلَتْ مُخْتَلِفَاتِ الْأَحْكَامِ ؛ مِنْهَا وَاجِبٌ، وَمِنْهَا غَيْرُ وَاجِبٍ، وَمِنْهَا فِي الْبَالِغِ، وَمِنْهَا فِي الصَّغِيرِ، وَمِنْهَا فِي الثَّيِّبِ، وَمِنْهَا فِي الْبِكْرِ.
قُلْنَا : هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْخِطَابِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ؛ وَأَقْرَبُ مِنْهُ الْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَاهَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ :﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ﴾ إلَى آخِرِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ


الصفحة التالية
Icon