الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى السُّرَى : سَيْرُ اللَّيْلِ.
وَالْإِدْلَاجُ : سَيْرُ السَّحَرِ، وَالْإِسْآدُ : سَيْرُهُ كُلِّهِ.
وَالتَّأْوِيبُ : سَيْرُ النَّهَارِ.
وَيُقَالُ : سَرَى وَأَسْرَى، وَقَدْ يُضَافُ إلَى اللَّيْلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَاللَّيْلِ إذَا يَسْرِ ﴾ وَهُوَ يُسْرَى فِيهِ، كَمَا قِيلَ : لَيْلٌ نَائِمٌ، وَهُوَ يُنَامُ فِيهِ ؛ وَذَلِكَ مِنْ اتِّسَاعَاتِ الْعَرَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا ﴾ أَمْرٌ بِالْخُرُوجِ بِاللَّيْلِ، وَسَيْرُ اللَّيْلِ يَكُونُ مِنْ الْخَوْفِ ؛ وَالْخَوْفُ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ : إمَّا مِنْ الْعَدُوِّ فَيُتَّخَذُ اللَّيْلُ سِتْرًا مُسْدَلًا، فَهُوَ مِنْ أَسْتَارِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِمَّا مِنْ خَوْفِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَبَدَانِ بِحَرٍّ أَوْ جَدْبٍ، فَيُتَّخَذُ السُّرَى مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْرَى وَيُدْلَجُ وَيَتَرَفَّقُ وَيَسْتَعْجِلُ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَحَسْبَ الْعَجَلَةِ، وَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ.
وَفِي جَامِعِ الْمُوَطَّإِ :﴿ إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيَرْضَى بِهِ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعَجَمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوَا عَلَيْهَا بِنِقْيِهَا، وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَطْوِي بِاللَّيْلِ مَا لَا تَطْوِي بِالنَّهَارِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ ﴾.


الصفحة التالية
Icon