الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ :﴿ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ﴾ يَعْنِي أَنَّك إذَا ذَكَرْت صَاحِبَك بِمَا يَكْرَهُ فَقَدْ آذَيْته ؛ وَإِذَايَةُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَقَدْ رُوِيَ ﴿ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَازَعَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ : يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا تَرَى مِنْ هَاهُنَا مِنْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، مَا أَنْتَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ ﴾
يَعْنِي إلَّا بِالتَّقْوَى، وَنَزَلَتْ :﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَثْنَى مِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ، كَالْأَعْرَجِ وَالْأَحْدَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ كَسْبٌ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ، فَجَوَّزَتْهُ الْأُمَّةُ، فَاتَّفَقَ عَلَى قَوْلِهِ أَهْلُ الْمِلَّةِ.
وَقَدْ وَرَدَ لَعَمْرُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ مَا لَا أَرْضَاهُ، كَقَوْلِهِمْ فِي صَالِحٍ جَزَرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ صَحَّفَ زَجَرَهُ فَنُقِّبَ بِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي مُحَمَّدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ مُطَيَّنٌ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي طِينٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا غَلَبَ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَلَا أَرَاهُ سَائِغًا فِي الدِّينِ، وَقَدْ كَانَ مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنُ رَبَاحٍ الْمِصْرِيُّ يَقُولُ : لَا أَجْعَلُ أَحَدًا صَغَّرَ اسْمَ أَبِي فِي حِلٍّ.
وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى اسْمِ أَبِيهِ التَّصْغِيرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ.
وَاَلَّذِي يَضْبِطُ هَذَا كُلَّهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ لِأَجْلِ الْإِذَايَةِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon