الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ تُجَادِلُك فِي زَوْجِهَا ﴾ : وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُجَادِلَةِ وَحَقِيقَتُهَا وَجَوَازُهَا فِي طَلَبِ قَصْدِ الْحَقِّ وَإِظْهَارِهِ، وَأَمْرِ اللَّهِ بِهَا، وَنَسْخِهِ وَتَخْصِيصِهِ لَهَا وَتَعْمِيمِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الْمُجَادِلَةِ : وَفِيهِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ : قِيلَ هِيَ خَوْلَةُ امْرَأَةُ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ.
وَقِيلَ هِيَ خَوْلَةُ بِنْتُ دُلَيْجٍ.
وَقِيلَ : بِنْتُ الصَّامِتِ.
وَأُمُّهَا مُعَاذَةُ ؛ كَانَتْ أَمَةً لِابْنِ أُبَيٍّ.
وَفِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ ﴾ الْآيَةَ.
وَقِيلَ : خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَهِيَ أَشْبَهُهَا ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ ثَعْلَبَةَ جَاءَتْ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهِيَ عَجُوزَةٌ كَبِيرَةٌ، وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ قَالَ : فَجَنَحَ إلَيْهَا، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِهَا، وَتَنَحَّى النَّاسُ عَنْهَا، فَنَاجَاهَا طَوِيلًا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَبَسْت رِجَالَاتِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ.
قَالَ : أَتَدْرُونَ مَنْ هِيَ ؟ هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ ؛ فَوَاَللَّهِ لَوْ قَامَتْ هَكَذَا إلَى اللَّيْلِ لَقُمْت مَعَهَا إلَى أَنْ تَحْضُرَ صَلَاةٌ، وَأَنْطَلِقَ لِأُصَلِّيَ ثُمَّ أَرْجِعَ إلَيْهَا.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ : تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إنِّي لَأَسْمَعُ كَلَامَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ، وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ، وَهِيَ تَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وَفِي تَرَاجِمِ الْبُخَارِيِّ، وَعَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ؛ ﴿ قُلْت : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُك ﴾ }.
وَنَصُّهُ عَلَى الِاخْتِصَارِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ { لَمَّا ظَاهَرَ أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ امْرَأَتِهِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ قَالَتْ لَهُ :


الصفحة التالية
Icon