الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ رُوِيَ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا بَايَعَ النِّسَاءَ عَلَى هَذَا قَالَ لَهُنَّ : فِيمَا أَطَقْتُنَّ فَيَقُلْنَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا ﴾.
وَهَذَا بَيَانٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَقِيقَةِ الْحَالِ ؛ فَإِنَّ الطَّاقَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، مَرْفُوعٌ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ مَا نَافَ عَلَيْهَا، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحِ قَالَتْ :﴿ بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْنَا : أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَنَهَانَا عَنْ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتْ امْرَأَةٌ عَلَى يَدِهَا وَقَالَتْ : أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا.
فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ فَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا ﴾
، فَيَكُونُ هَذَا تَفْسِيرَ قَوْلِهِ :﴿ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ﴾ ؛ وَذَلِكَ تَخْمِيشُ وُجُوهٍ، وَشَقُّ جُيُوبٍ.
وَفِي الصَّحِيحِ :﴿ لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَمَشَ الْوُجُوهَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ﴾.
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ جَازَ أَنْ تُسْتَثْنَى مَعْصِيَةٌ، وَتَبْقَى عَلَى الْوَفَاءِ بِهَا، وَيُقِرُّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ؟ قُلْنَا : وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْكَافِي، مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْهَلَهَا حَتَّى تَسِيرَ إلَى صَاحِبَتِهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَبْقَى فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا تَرْجِعُ سَرِيعًا عَنْهُ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ بَعْضَهُمْ شَرَطَ أَلَّا يَخِرَّ إلَّا قَائِمًا، فَقِيلَ فِي أَحَدِ تَأْوِيلَيْهِ : إنَّهُ لَا يَرْكَعُ، فَأَمْهَلَهُ حَتَّى آمَنَ، فَرَضِيَ بِالرُّكُوعِ.
وَقِيلَ : أَرَادَتْ أَنْ تَبْكِيَ مَعَهَا بِالْمُقَابَلَةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ النَّوْحِ خَاصَّةً.


الصفحة التالية
Icon