الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي إحْكَامِ الصُّفُوفِ جَمَالٌ لِلصَّلَاةِ، وَحِكَايَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ، وَهَيْئَةٌ لِلْقِتَالِ، وَمَنْفَعَةٌ فِي أَنْ تُحْمَلَ الصُّفُوفُ عَلَى الْعَدُوِّ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنْ الصَّفِّ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ، أَوْ فِي رِسَالَةٍ يُرْسِلُهَا الْإِمَامُ، وَمَنْفَعَةٍ تَظْهَرُ فِي الْمَقَامِ، كَفُرْصَةٍ تُنْتَهَزُ وَلَا خِلَافَ فِيهَا، أَوْ بِتَظَاهُرٍ عَلَى التَّبَرُّزِ لِلْمُبَارَزَةِ.
وَفِي الْخُرُوجِ عَنْ الصَّفِّ لِلْمُبَارَزَةِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ؛ إرْهَابًا لِلْعَدُوِّ، وَطَلَبًا لِلشَّهَادَةِ، وَتَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَا يَبْرُزُ أَحَدٌ طَالِبًا لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ رِيَاءً وَخُرُوجًا إلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُبَارَزَةُ إذَا طَلَبَهَا الْكَافِرُ، كَمَا كَانَتْ فِي حُرُوبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ السَّلَفُ.