الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَخْطُبُ قَائِمًا، كَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
وَخَطَبَ عُثْمَانُ قَائِمًا حَتَّى رَقَّ فَخَطَبَ قَاعِدًا.
وَيُرْوَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ خَطَبَ قَاعِدًا مُعَاوِيَةُ، وَدَخَلَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ : اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الْخَبِيثَ يَخْطُبُ قَاعِدًا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ :﴿ وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ﴾ إشَارَةً إلَى أَنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرُبَاتِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَكِنْ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ الْوَاجِبِ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَفِي الْإِطْلَاقِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مُعَاوِيَةَ إنَّمَا خَطَبَ قَاعِدًا لِسِنِّهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي قَعْدَتِهِ رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا : إنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ الْخُطْبَةَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِهَا، وَالْوَاجِبُ هُوَ الَّذِي يُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ : إنَّهَا سُنَّةٌ.
وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.