الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَأَيُّهَا النَّبِيُّ ﴾ : فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَهُ، وَقَوْلُهُ :﴿ طَلَّقْتُمْ ﴾ خَبَرٌ عَنْهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ أُمَّتُهُ، وَغَايَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ [ وَذَلِكَ ] لُغَةٌ فَصِيحَةٌ.
كَمَا قَالَ :﴿ حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾ : تَقْدِيرُهُ يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لَهُمْ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ : إنَّ الْخِطَابَ لَهُ وَحْدَهُ لَفْظًا، وَالْمَعْنَى لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ لَاطَفَهُ بِقَوْلِهِ : يَأَيُّهَا النَّبِيُّ.
وَإِذَا كَانَ الْخِطَابُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا لَهُ قَالَ : يَأَيُّهَا الرَّسُولُ.
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ نِدَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْظِيمًا، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ :﴿ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ﴾ كَقَوْلِهِ :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ ﴾ ؛ فَذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَعْنَى تَقْدِمَتِهِمْ وَتَكْرِمَتِهِمْ، ثُمَّ افْتَتَحَ فَقَالَ :﴿ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ ﴾ الْآيَةُ.
قَالَ الْقَاضِي : الصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهَا : يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْت أَنْتَ وَالْمُخْبَرُونَ الَّذِينَ أَخْبَرْتُهُمْ بِذَلِكَ النِّسَاءَ فَلْيَكُنْ طَلَاقُهُنَّ كَذَا ؛ وَسَاغَ هَذَا لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ يَقْضِي مُنَبَّأً.
وَهَذَا كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ صَحِيحٌ فِيهَا.


الصفحة التالية
Icon