الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ قَوْلُهُ ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾ جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى فَرْضًا وَاجِبًا وَحَقًّا لَازِمًا هُوَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُمْسِكَهُ عَنْهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسْقِطَهُ عَنْ الزَّوْجِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَسِيرَةٌ عَلَى أَكْثَرِ الْمَذَاهِبِ.
قَالَ مَالِكٌ : لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ السُّكْنَى، كَانَ الطَّلَاقُ وَاحِدًا أَوْ ثَلَاثًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى : لَا سُكْنَى إلَّا لِلرَّجْعِيَّةِ.
[ وَقَالَ الضَّحَّاكُ : لَهَا أَنْ تَتْرُكَ السُّكْنَى، فَجَعَلَهُ حَقًّا لَهَا، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَنَّ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ ] لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾.
وَإِنَّمَا عَرَفْنَا وُجُوبَهُ لِغَيْرِهَا مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ، وَذَكَرْنَا التَّحْقِيقَ فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الضَّحَّاكِ فَيَرُدُّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾ وَهَذَا نَصٌّ الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ :﴿ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ﴾ إضَافَةُ إسْكَانٍ، وَلَيْسَتْ إضَافَةَ تَمْلِيكٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ.
وَقَوْلُهُ :﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ ﴾ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَقًّا عَلَى الْأَزْوَاجِ، وَيَقْتَضِي قَوْلُهُ :﴿ وَلَا يَخْرُجْنَ ﴾ أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الزَّوْجَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ذَكَرَ اللَّهُ الْإِخْرَاجَ وَالْخُرُوجَ عَامًّا مُطْلَقًا، وَلَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ ﴿ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِخَالَتِهِ فِي الْخُرُوجِ فِي جِذَاذِ نَخْلِهَا ﴾.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مَعًا، ﴿ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَكَانَ زَوْجُهَا طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ : لَا نَفَقَةَ لَك وَلَا سُكْنَى ﴾.