وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ ظِهَارٌ فَبَنَاهُ عَلَى أَصْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَلُّ دَرَجَاتِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ لَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فَعَوَّلَ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُحَرِّمُ الْمُطَلَّقَةَ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ يُحَرِّمُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك نَفَذَ وَسَقَطَتْ الرَّجْعَةُ، وَحُرِّمَتْ ؛ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا : أَنْتِ حَرَامٌ [ عَلَيَّ ] فَإِنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا مَعْنَوِيًّا، وَكَأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ إنْفَاذِ الطَّلَاقِ وَإِسْقَاطِ الرَّجْعَةِ.
وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَنْفُذُ قَوْلُهُ : أَنْتِ طَالِقٌ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك ؛ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ حُكْمُ اللَّهِ، وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ إلَّا بِمَا أَسْقَطَهُ اللَّهُ مِنْ الْعِوَضِ الْمُقْتَرِنِ بِهِ، أَوْ الثَّلَاثِ الْقَاضِيَةِ عَلَيْهِ وَالْغَايَةِ لَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهَا تَكُونُ عَارِيَّةً عَنْ النِّيَّةِ يَمِينًا فَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ.
وَأَمَّا نَفْيُ الظِّهَارِ فِيهِ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَخْتَصُّ بِمَعْنًى، فَاخْتَصَّ بِلَفْظٍ، وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ لِمَنْ يَرَى مُرَاعَاةَ الْأَلْفَاظِ ؛ وَنَحْنُ إنَّمَا نَعْتَبِرُ الْمَعَانِيَ خَاصَّةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ تَعَبُّدًا.
وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ احْتَاطَ بِأَنْ جَعَلَهُ طَلَاقًا ؛ فَلَمَّا ارْتَجَعَهَا احْتَاطَ بِأَنْ أَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةَ.
وَهَذَا لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ ظِهَارٌ وَطَلَاقٌ فِي مَعْنَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، فَلَا وَجْهَ لِلِاحْتِيَاطِ فِيمَا لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُ فِي الدَّلِيلِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَنْوِي فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ تُبِينُهَا وَتُحَرِّمُهَا شَرْعًا إجْمَاعًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ : إنَّ الْوَاحِدَةَ تَكْفِي قَبْلَ الدُّخُولِ


الصفحة التالية
Icon