الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى :﴿ قُوا ﴾ : قَالَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ : مَعْنَاهُ اصْرِفُوا، وَتَحْقِيقُهَا اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا وِقَايَةً.
وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ : اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي تَأْوِيلِهَا.
وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّ مَعْنَاهُ قُوا أَنْفُسَكُمْ، وَأَهْلِيكُمْ فَلْيَقُوا أَنْفُسَهُمْ.
الثَّانِي : قُوا أَنْفُسَكُمْ وَمُرُوا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ.
الثَّالِثُ : قُوا أَنْفُسَكُمْ بِفِعَالِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِوَصِيَّتِكُمْ إيَّاهُمْ ؛ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْفِقْهُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْعَطْفُ الَّذِي يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ، كَقَوْلِهِ : عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا وَكَقَوْلِهِ : وَرَأَيْت زَوْجَك فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا فَعَلَى الرَّجُلُ أَنْ يُصْلِحَ نَفْسَهُ بِالطَّاعَةِ، وَيُصْلِحَ أَهْلَهُ إصْلَاحَ الرَّاعِي لِلرَّعِيَّةِ ؛ فَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ﴿ : كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ ﴾.
وَعَنْ هَذَا عَبَّرَ الْحَسَنُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ : يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ.
وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ : مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾ ؛ خَرَّجَهُ