الْآيَةُ الثَّانِيَةُ :﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا نَحْوَ عَشْرَةِ أَقْوَالٍ، كُلُّهَا دَعَاوَى عَلَى اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى، أَمْثَلُهَا قَوْلُهُمْ : وَدُّوا لَوْ تَكْذِبُ فَيَكْذِبُونَ.
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُ فَيَكْفُرُونَ.
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْإِدْهَانُ هُوَ التَّلْبِيسُ، مَعْنَاهُ : وَدُّوا لَوْ تَلْبِسُ إلَيْهِمْ فِي عَمَلِهِمْ وَعَقْدِهِمْ فَيَمِيلُونَ إلَيْك.
وَحَقِيقَةُ الْإِدْهَانِ إظْهَارُ الْمُقَارَبَةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ لِلْعَدَاوَةِ ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْمُقَارَبَةُ بِاللِّينِ فَهِيَ مُدَاهَنَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ سَلَامَةِ الدِّينِ فَهِيَ مُدَارَاةٌ أَيْ مُدَافَعَةٌ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ﴿ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ هُوَ، أَوْ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ؛ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ، فَقُلْت لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ قُلْت مَا قُلْت، ثُمَّ أَلَنْت لَهُ فِي الْقَوْلِ، فَقَالَ لِي : يَا عَائِشَةُ ؛ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ﴾.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ﴿ : مَثَلُ الْمُدَاهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْقَائِمِ عَلَيْهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا فِي سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَأَرَادَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا أَنْ يَسْتَقُوا الْمَاءَ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَمَنَعُوهُمْ، فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَقُوا الْمَاءَ فِي أَسْفَلِ السَّفِينَةِ، فَإِنْ مَنَعُوهُمْ نَجَوْا، وَإِنْ تَرَكُوهُمْ هَلَكُوا جَمِيعًا ﴾.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ﴾.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ : يَعْنِي مُكَذِّبُونَ، وَحَقِيقَتُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَيْ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُقَارِبُونَ فِي الظَّاهِرِ مَعَ إضْمَارِ الْخِلَافِ فِي الْبَاطِنِ، يَقُولُونَ : اللَّهُ، اللَّهُ.
ثُمَّ يَقُولُونَ : مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا،


الصفحة التالية
Icon