الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ سَعَةً لِلْإِنْسَانِ وَمَجَالًا لِلْعَمَلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾، وَكَمَا أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْآدَمِيِّ أَصْلٌ خِلْقِيٌّ، فَكَذَلِكَ الزَّمَانُ لِلسِّيَاحَةِ وَجْهٌ خِلْقِيٌّ أَيْضًا، لَكِنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ أَنْ يَقْدُمَ لِلدَّارِ الْأُخْرَى، وَيَعْتَمِدَ فِيهِ قَبْلَ الْعَمَلِ مَا هُوَ بِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى، وَلَوْ عُمْرُهُ كُلُّهُ بِالشُّكْرِ وَالذِّكْرِ وَرُزِقَ عَلَى ذَلِكَ قُدْرَةَ مَا كَانَ قَضَاءً لِحَقِّ النِّعْمَةِ، فَوَضَعَهُ اللَّهُ أَوْقَاتًا لِلْعِبَادَةِ، وَأَوْقَاتًا لِلْعَادَةِ.
فَالنَّهَارُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ : الْأَوَّلُ : مِنْ الصُّبْحِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، مَحِلٌّ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ فُسْحَةٌ لِلْفَرِيضَةِ، فَإِنْ أُدِّيَتْ كَانَتْ فِيهِ مَحِلًّا لِلذِّكْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ [ حِسًّا ]، فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ إلَى وَظِيفَتِهِ الْآدَمِيَّةِ حَتَّى تَبْيَضَّ الشَّمْسُ، فَيَكُونَ هُنَالِكَ عِبَادَةً نَفْلِيَّةً يَمْتَدُّ وَقْتُهَا إلَى أَنْ تَجِدَ الْفِصَالُ حَرَّ الشَّمْسِ فِي الْأَرْضِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ إذَا رَمِضَتْ الْفِصَالُ ﴾.
وَهُوَ أَيْضًا خِلْفَةٌ لِمَنْ نَامَ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :﴿ مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّاهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ وَهُوَ مَغْمُورٌ بِحَالِ الْمَعَاشِ.
[ قَالَ الْإِمَامُ ] : كُنَّا بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة مُرَابِطِينَ أَيَّامًا، وَكَانَ فِي أَصْحَابِنَا رَجُلٌ حَدَّادٌ، وَكَانَ يُصَلِّي مَعَنَا الصُّبْحَ، وَيَذْكُرُ اللَّهَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَحْضُرَ حَلْقَةَ الذِّكْرِ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى حِرْفَتِهِ، حَتَّى إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالظُّهْرِ رَمَى بِالْمِرْزَبَّةِ فِي


الصفحة التالية
Icon