الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ تَعَلَّقَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ :﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ فَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ آيَةٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ ثَلَاثُ آيَاتٍ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ سُورَةٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِرَاءَةِ هَاهُنَا الصَّلَاةُ ؛ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا التَّقْدِيرُ، وَيُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِي ﴿ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ، وَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ.
وَقَالَ لَهُ : اقْرَأْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، وَمَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ﴾
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِبَابِهِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا : إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقِرَاءَةُ لَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَيَّنَ هَذَا الْمُبْهَمَ بِقَوْلِهِ :﴿ لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ﴾ خَرَّجَهُ الشَّيْخَانِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَقَدْ اعْتَضَدَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ.
جَوَابٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَصَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّخْفِيفَ عَنْ الرَّجُلِ، فَقَالَ لَهُ :﴿ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ﴾ أَيْ مَا حَفِظْت.
وَقَدْ ظَنَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فَحْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْأَهْدَرُ وَمُنَاضِلُهَا الْأَقْدَرُ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ مَعَ زِيَادَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهِ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَنَسْخُ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ، أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَمَهَّدَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَأَجَابَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ لَا تَكُونُ نَسْخًا، وَقَدْ قَرَرْنَاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ


الصفحة التالية
Icon