وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِغُلَامٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَقَدْ رَأَى ذَيْلَهُ مُسْتَرْخِيًا : يَا غُلَامُ، ارْفَعْ إزَارَك، فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَنْقَى وَأَبْقَى.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ :﴿ إزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ، وَمَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ ﴾ ؛ فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَايَةَ فِي لِبَاسِ الْإِزَارِ الْكَعْبَ، وَتَوَعَّدَ مَا تَحْتَهُ بِالنَّارِ ؛ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يُرْسِلُونَ أَذْيَالَهُمْ، وَيُطِيلُونَ ثِيَابَهُمْ، ثُمَّ يَتَكَلَّفُونَ رَفْعَهَا بِأَيْدِيهِمْ.
وَهَذِهِ حَالَةُ الْكِبْرِ وَقَائِدَةُ الْعُجْبِ، وَأَشَدُّ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّهُمْ يَعْصِمُونَ وَيَحْتَجُّونَ، وَيُلْحِقُونَ أَنْفُسَهُمْ بِمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَلَا أَلْحَقَ بِهِ سِوَاهُ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ لِمَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ ﴾.
وَلَفْظُ الصَّحِيحِ :﴿ مَنْ جَرَّ إزَارَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إزَارِي يَسْتَرْخِي، إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَسْت مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ ﴾
.
فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ بِالنَّهْيِ ]، وَاسْتَثْنَى أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، فَأَرَادَ الْأَدْنِيَاءُ إلْحَاقَ أَنْفُسِهِمْ بالأَقْصِياءِ ؛ وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ.
وَالْمَعْنَى الثَّانِي : غَسْلُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ ؛ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْهَا صَحِيحٌ فِيهَا.
وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحِ الدَّلَائِلِ، وَلَا نُطَوِّلُ بِإِعَادَتِهِ، وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ إلَى أَنَّ مَعْنَاهُ وَأَهْلَك فَطَهِّرْ ؛ وَهَذَا جَائِزٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْ الْأَهْلِ بِالثِّيَابِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾


الصفحة التالية
Icon