الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَهَذَا فِي الْحُرِّ الْمَالِكِ لِأَمْرِ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ قِسْمَيْنِ : إمَّا أَنْ يُقِرَّ عَلَى بَدَنِهِ، أَوْ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَذِمَّتِهِ ؛ فَإِنْ أَقَرَّ عَلَى بَدَنِهِ فِيمَا فِيهِ عُقُوبَةٌ مِنْ الْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ نَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، لِأَنَّ بَدَنَهُ مُسْتَرَقٌّ بِحَقِّ السَّيِّدِ.
وَفِي إقْرَارِهِ إتْلَافُ حُقُوقِ السَّيِّدِ فِي بَدَنِهِ، وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ : مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ ﴾.
الْمَعْنَى أَنَّ مَحِلَّ الْعُقُوبَةِ أَصْلُ الْخِلْقَةِ وَهِيَ الدُّمْيَةُ فِي الْآدَمِيَّةِ، وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ فِيهَا، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْوَصْفِ وَالتَّبَعِ، وَهِيَ الْمَالِيَّةُ الطَّارِئَةُ عَلَيْهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنَّهُ لَوْ قَالَ : سَرَقْت هَذِهِ السِّلْعَةَ إنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ وَيَأْخُذُهَا الْمُقَرُّ لَهُ.
وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : السِّلْعَةُ لِلسَّيِّدِ، وَيُتْبَعُ الْعَبْدُ بِقِيمَتِهَا إذَا عَتَقَ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ إجْمَاعًا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ، وَلَا إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، لَا سِيَّمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : إنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ وَنَحْنُ وَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ، وَلَكِنَّ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ بِإِجْمَاعٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.