الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَك لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَك لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنْ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا.
وَقَالَ سَعِيدٌ : أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَك لِتَعْجَلَ بِهِ إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ قَالَ : جَمْعُهُ لَك فِي صَدْرِك وَتَقْرَؤُهُ.
﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾.
قَالَ : فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ.
﴿ ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ : ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَقْرَأَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَقْرَأَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَذَا يُعَضِّدُ مَا تَقَدَّمَ : فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَلَقِّنَ مِنْ حُكْمِهِ الْأَوْكَدِ أَنْ يُصْغِيَ إلَى الْمُلَقِّنِ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَسْتَعِينُ بِلِسَانِهِ، فَيَشْتَرِك الْفَهْمُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، فَيَذْهَبُ رُوحُ التَّحْصِيلِ بَيْنَهُمَا، وَيَخْزِلُ اللِّسَانَ بِتَجَرُّدِ الْقَلْبِ لِلْفَهْمِ ؛ فَيَتَيَسَّرُ التَّحْصِيلُ ؛ وَتَحْرِيكُ اللِّسَانِ يُجَرِّدُ الْقَلْبَ عَنْ الْفَهْمِ، فَيَتَعَسَّرُ التَّحْصِيلُ بِعَادَةِ اللَّهِ الَّتِي يَسَّرَهَا ؛ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ عَادَةً فَيَتَحَقَّقُ لِذِي مُشَاهَدَةٍ.
قَالَ الْإِمَامُ : كُنْت أَحْضُرُ عِنْدَ الْحَاسِبِ بِتِلْكَ


الصفحة التالية
Icon