الْآيَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾ : فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ :﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ﴾ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمُوَاسَاةِ ؛ وَمِنْ أَفْضَلِ الْمُوَاسَاةِ وَضْعُهَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ :﴿ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتُقْرِئُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ﴾ وَهَذَا فِي الْفَضْلِ لَا فِي الْفَرْضِ مِنْ الزَّكَاةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ :﴿ عَلَى حُبِّهِ ﴾.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ :﴿ مِسْكِينًا ﴾.
الْمِسْكِينُ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَهَذَا مِثَالُهُ مَا رُوِيَ فِي شَأْنِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا قِصَّتَهُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، عِنْدَ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ فَهَذَا هُوَ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ :﴿ وَيَتِيمًا ﴾.
وَإِنَّمَا أَكَّدَ بِالْيَتِيمِ ؛ لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ مَضْعُوفٌ بِالْوَحْدَةِ وَعَدَمِ الْكَافِلِ مَعَ عَجْزِ الصِّغَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَسِيرًا ﴾.
وَفِي إطْعَامِهِ ثَوَابٌ عَظِيمٌ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ.
وَقَدْ تَعَيَّنَ بِالْعَهْدِ إطْعَامُهُ، وَلَكِنْ مِنْ الْفَضْلِ فِي الصَّدَقَةِ، لَا مِنْ الْأَصْلِ فِي الزَّكَاةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْجُونُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدْ حَبَسَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ وَأَسَرَهُ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَقَدْ صَارَ لَهُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُطْلَقِ حَقٌّ زَائِدٌ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْعِ [ عَنْ التَّمَحُّلِ فِي ] الْمَعَاشِ أَوْ التَّصَرُّفِ فِي الطَّلَبِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا خَلَصَتْ فِيهِ النِّيَّةُ لِلَّهِ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ دُونَ تَوَقُّعِ مُكَافَأَةٍ، أَوْ شُكْرٍ مِنْ الْمُعْطِي، فَإِذَا لَمْ يُشْكَرْ فَسَخِطَ الْمُعْطِي