الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ : فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي تَحْقِيقِ الْكَلِمَةِ : الْمَاعُونَ : مَفْعُولٌ مِنْ أَعَانَ يُعِينُ، وَالْعَوْنُ هُوَ الْإِمْدَادُ بِالْقُوَّةِ وَالْآلَةِ وَالْأَسْبَابِ الْمُيَسِّرَةِ لِلْأَمْرِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : قَالَ مَالِكٌ : هِيَ الزَّكَاةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُنَافِقُ يَمْنَعُهَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ قَالَ : إنَّ الْمُنَافِقَ إذَا صَلَّى صَلَّى لَا لِلَّهِ، بَلْ رِيَاءً، وَإِنْ فَاتَتْهُ لَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا ؛ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ : الزَّكَاةَ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : لَوْ خُفِّفَتْ لَهُمْ الصَّلَاةُ كَمَا خُفِّفَتْ لَهُمْ الزَّكَاةُ مَا صَلَّوْهَا.
الثَّانِي : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : الْمَاعُونُ الْمَالُ.
الثَّالِثُ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ.
الرَّابِعُ هُوَ الْقِدْرُ وَالدَّلْوُ وَالْفَأْسُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ الْخَامِسُ هُوَ الْمَاءُ وَالْكَلَأُ.
السَّادِسُ هُوَ الْمَاءُ وَحْدَهُ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ : يَمُجُّ صَبِيرُهُ الْمَاعُونَ صَبًّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَاعُونَ مِنْ الْعَوْنِ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِهِ عَوْنًا، وَأَعْظَمُهُ الزَّكَاةُ إلَى الْمِحْلَابِ، وَعَلَى قَدْرِ الْمَاعُونِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ يَكُونُ الذَّمُّ فِي مَنْعِهِ، إلَّا أَنَّ الذَّمَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْعِ الْوَاجِبِ، وَالْعَارِيَّةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ ؛ بَلْ إنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ الْوَيْلَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ مَنَعَ الْوَاجِبَ، فَاعْلَمُوهُ وَتَحَقَّقُوهُ.