يَسُبُّونَهُ، فَكَانَ يَقُولُ : أَلَا تَعْجَبُونَ لِمَا يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي مِنْ أَذَى قُرَيْشٍ يَسُبُّونَ وَيَهْجُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ :﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ : اسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلٍ، أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَكْنِيَةِ الْمُشْرِكِ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ طَه فِي قَوْلِهِ :﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا ﴾ " يَعْنِي كَنِّيَاهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ.
وَهَذَا بَاطِلٌ ؛ إنَّمَا كَنَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِمَعَانٍ أَرْبَعَةٍ : الْأَوَّلِ أَنَّهُ [ لَمَّا ] كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْعُزَّى، فَلَمْ يُضِفْ اللَّهُ الْعُبُودِيَّةَ إلَى صَنَمٍ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ تَكْنِيَتُهُ أَشْهُرُ مِنْهُ بِاسْمِهِ ؛ فَصَرَّحَ بِهِ.
الثَّالِثِ أَنَّ الِاسْمَ أَشْرَفُ مِنْ الْكُنْيَةِ، فَحَطَّهُ اللَّهُ عَنْ الْأَشْرَفِ إلَى الْأَنْقَصِ ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْخِيَارِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ دَعَا اللَّهُ أَنْبِيَاءَهُ بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ.
وَيَدُلُّك عَلَى شَرَفِ الِاسْمِ [ عَلَى الْكُنْيَةِ ] أَنَّ اللَّهَ يُسَمِّي وَلَا يُكَنِّي وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ وَبَيَانِهِ وَاسْتِحَالَةِ نِسْبَةِ الْكُنْيَةِ إلَيْهِ لِتَقَدُّسِهِ عَنْهَا.
الرَّابِعِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُحَقِّقَ نَسَبَهُ بِأَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ، فَيَكُونَ أَبًا لَهَا، تَحْقِيقًا لِلنَّسَبِ، وَإِمْضَاءً لِلْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ الَّتِي اخْتَارَ لِنَفْسِهِ [ لِذَلِكَ ].
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ أَهْلَهُ إنَّمَا كَانُوا سَمَّوْهُ أَبَا لَهَبٍ لِتَلَهُّبِ وَجْهِهِ وَحُسْنِهِ ؛ فَصَرَفَهُمْ اللَّهُ عَنْ أَنْ يَقُولُوا لَهُ : أَبُو نُورٍ، وَأَبُو الضِّيَاءِ، الَّذِي هُوَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَأَجْرَى عَلَى أَلْسِنَتهمْ أَنْ يُضِيفُوهُ إلَى اللَّهَبِ الَّذِي هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَكْرُوهِ وَالْمَذْمُومِ، وَهُوَ النَّارُ، ثُمَّ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِيهِ بِأَنْ جَعَلَهَا مَقَرَّهُ.


الصفحة التالية
Icon