سُورَةُ الْأَعْلَى [ فِيهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى :﴿ سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى ﴾ : فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ :﴿ سَنُقْرِئُك ﴾ أَيْ سَنَجْعَلُك قَارِئًا، فَلَا تَنْسَى مَا نُقْرِئُك.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْلِهِ :﴿ سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى ﴾ قَالَ : فَتَحْفَظُ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَرْكِ النِّسْيَانِ ؛ إذْ كَانَ لَيْسَ مِنْ اسْتِطَاعَتِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ لَهُ تَرْكَهُ، وَحَكَمَ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ النَّاسِي فِي حَالِ نِسْيَانِهِ أَنْ يَصْرِفَ نِسْيَانَهُ لَا يُعْقَلُ قَوْلًا، فَكَيْفَ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِهِ فِعْلًا.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَك مِنْ الدُّنْيَا ﴾.
قُلْنَا.
مَعْنَاهُ لَا تَتْرُكْ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ النِّسْيَانَ هُوَ التَّرْكُ لُغَةً.
وَالتَّرْكُ عَلَى قِسْمَيْنِ : تَرْكٌ بِقَصْدٍ، وَتَرْكٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ.
وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَرْتَبِطُ بِالْقَصْدِ مِنْ التَّرْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.