الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ بِالْعَجَمِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾.
قَالُوا : فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ كِتَابَهُ وَقُرْآنَهُ فِي صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ ؛ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْإِخْبَارِ بِهَا عَنْهُ وَبِأَمْثَالِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَلْسُنِ الَّتِي تُخَالِفُهُ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ : أَنَّا نَقُولُ : إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْكُتُبَ، وَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ، كَمَا أَخْبَرَ، وَمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابٍ إلَّا بِلُغَتِهِمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ ؛ كُلُّ ذَلِكَ تَيْسِيرٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيبٌ لِلتَّفْهِيمِ إلَيْهِمْ، وَكُلٌّ مُفْهِمٌ بِلُغَتِهِ، مُتَعَبِّدٌ بِشَرِيعَتِهِ، وَلِكُلِّ كِتَابٍ بِلُغَتِهِمْ اسْمٌ ؛ فَاسْمُهُ بِلُغَةِ مُوسَى التَّوْرَاةُ، وَاسْمُهُ بِلُغَةِ عِيسَى الْإِنْجِيلُ، وَاسْمُهُ بِلُغَةِ مُحَمَّدٍ الْقُرْآنُ، فَقِيلَ لَنَا : اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ بِمَا يُسَمَّى قُرْآنًا.
الثَّانِي : هَبْكُمْ سَلَّمْنَا لَكُمْ أَنْ يَكُونَ فِي صُحُفِ مُوسَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَمَا الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّهُ تَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ ؟ فَإِنْ قِيلَ : بِالْقِيَاسِ.
قُلْت : لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ لَا سِيَّمَا عِنْدَكُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ عَلَى التَّمَامِ، فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.