الْآيَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاللَّيْلِ إذَا يَسْرِ ﴾.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَقْسَمَ اللَّهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، كَمَا أَقْسَمَ بِسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، وَجُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَخَصَّهُ هَاهُنَا بِالسُّرَى لِنُكْتَةٍ هِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ﴾.
وَقَالَ :﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ وَأَشَارَ هَاهُنَا إلَى أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ يُتَصَرَّفُ فِيهِ لِلْمَعَاشِ، كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي النَّهَارِ، وَيَتَقَلَّبُ فِي الْحَالِ فِيهِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ ﴿ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَيْلٍ، فَقَالَ لَهُ : السُّرَى يَا جَابِرُ ﴾.
وَخَاصَّةً الْمُسَافِرُ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ كُنْت قَدْ قَيَّدْت فِي فَوَائِدِي بِالْمَنَارِ أَنَّ الْأَخْفَشَ قَالَ لِمُؤَرِّجٍ : مَا وَجْهُ مَنْ حَذَفَ مِنْ عَدَا ابْنَ كَثِيرٍ الْيَاءَ مِنْ قَوْلِهِ : يَسْرِي ؟ فَسَكَتَ عَنْهَا سَنَةً، ثُمَّ قُلْنَا لَهُ : نَخْتَلِفُ إلَيْك نَسْأَلُك مُنْذُ عَامٍ عَنْ هَذِهِ.
الْمَسْأَلَةِ فَلَا تُجِيبُنَا ؟ فَقَالَ : إنَّمَا حَذَفَهَا لِأَنَّ اللَّيْلَ يُسْرَى فِيهِ وَلَا يَسْرِي.
فَعَجِبْت مِنْ هَذَا الْجَوَابِ الْمُقَصِّرِ مِنْ غَيْرِ مُبْصِرٍ ؛ فَقَالَ لِي بَعْضُ أَشْيَاخِي : تَمَامُهُ فِي بَيَانِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِفِقْهٍ، هُوَ أَنَّ الْحَذْفَ يَدُلُّ عَلَى الْحَذْفِ، وَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ.
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ.